فصل: مسألة يبيع السفينة من الرقيق من السند والزنج فتباع جملة فتوجد بينهم جارية حاملة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يوكله على مخاصمة ويشهد أنه جعله فيما أقر به عليه لخصمه كنفسه:

قيل لأصبغ: أرأيت الرجل يوكل وكيلا على مخاصمة ويشهد أنه جعله فيما أقر به عليه لخصمه كنفسه، فيقر الوكيل بأشياء. قال أصبغ: إن وكله على خصومة ولم يفسر شيئا فهو وكيل على المرافعة وحدها، وليس له صلح ولا إقرار، وهو وجه الوكالة أبدأ إذا أبهمت حتى يستثني فيها، فإذا استثنى فيها وكان الاستثناء أن جعل له الصلح أو الإقرار وجعل بمثابة نفسه في الصلح، أو الإقرار إفصاحا كان كذلك، وإلا لم تعد الخصومة إلى الصلح ولا إلى الإقرار لم يجز ذلك عليه ولا يلزمه ذلك إن فعل، كتب في ذلك أنه بمثابته أو لم يكتب، فيحمل مثابته ومحمل نفسه إن جعله في مثابته محمل الخصومة وحدها لا يعدوه ذلك كذلك يكون القضاء وكذلك يعمل عليه الحاكم ويقبل الوكالة ولا يردها ثم ينظر في أمورهم لصاحب الوكالة وعليه كما يكون لخصمه وعليه من جميع وجوه الخصومات والدفاع والثبت والاستحقاق والحكومات والفصل ما عدا الإقرار والمصالحة فلا تلحق الموكل.
قال محمد بن رشد: قوله إنه إن وكله على الخصومة ولم يفسر شيئا فهو وكيل على المدافعة وحدها وليس له صلح ولا إقرار وهو وجه الوكالة إذا أبهمت، يريد إذا أبهمت في الخصومة فلم ينص فيها على ما سواها من صلح ولا إقرار.
وقوله حتى يستثني فيها، يريد حتى يتبين فيها أنه جعل إليه مع الخصومة ما سوى المرافعة من الصلح أو الإقرار أو غير ذلك، فعبر عن التسمية بالاستثناء على سبيل التجوز في الكلام. وكذلك قوله في آخر المسألة ما عدا الإقرار والمصالحة فلا يلحق الموكل، معناه ولا يلحق الموكل الإقرار المصالحة فعبر عن ذلك بلفظ الاستثناء تجوزا.
وقوله إن الحاكم يقبل الوكالة ولا يردها وإن لم يجعل إليه فيها إلا المرافعة فهو خلاف ما ذهب إليه ابن العطار في وثائقه من أن الوكالة لا تقبل منه على الخصام حتى يجعل إليه فيها مع الإنكار والإقرار. ونزلت فقضى فيها لا يقبل منه الوكالة على ذلك إلا أن يحضر مع وكيله ليقر بما وقعه عليه حكمه أو يكون في وقت الحكم قريبا من مجلس القاضي. وقد مضى في نوازل عيسى ورسم أسلم من سماعه ما فيه بيان لهذه المسألة، وبالله تعالى التوفيق، لا إله إلا هو ولا معبود سواه.
تم الجزء الثاني من البضائع والوكالات والحمد لله، وصلى الله على سيدنا ونبينا ومولانا محمد المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم.

.كتاب العيوب الأول:

.مسألة اشترى جارية فأقامت عنده سنين ثم قالت قد ولدت مع سيدي الذي باعني منك:

كتاب العيوب الأول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على محمد، عونك يا الله من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك أنه قال فيمن اشترى جارية فأقامت عنده سنين ثم قالت قد ولدت مع سيدي الذي باعني منك، فقال لا يحرمها ذلك على سيدها، وذلك عيب ترد منه إن باعها وكتمه. قال سحنون: قال ابن القاسم: يريد إذا باعها للمشتري الذي زعمت له ذلك، فإنه إذا لم يبين ذلك لمشتريها منه أنها قد ذكرت له أنها قد ولدت مع سيدها الأول كان عيبا ترد منه؛ لأن أهل الورع لا يقدمون على مثل هذا.
قال محمد بن رشد: قوله إن الجارية لا تحرم على سيدها بقولها له بعد سنين قد ولدت من سيدي الذي باعني صحيح لأنها تدعي الحرية أو عقد عتق إن كان سيدها الذي باعها حيا، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» وتتهم أيضا على إرادة الرجوع إليه وأن ذكرت ذلك بحدثان شرائه إياها، فكيف إذا لم تذكره إلا بعد سنين، إلا أن يرع هو في خاصة نفسه إذا لم تظهر له تهمتها فيما قالته فهو حسن، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه» الحديث، وأخبر عَلَيْهِ السَّلَامُ عن رضاع امرأة فتبسم وقال: «كيف وقد قيل»، وذلك بين من قوله إنه عيب إن باعها ولم يبين من أجل أن أهل الورع لا يقدمون على مثل هذا. ولو أخبره قبل أن يشتريها مخبر صدق أنها حرة من أصلها وأن سيدها أعتقها أو أنها ولدت منه لما حل له أن يشتريها من جهة قبول خبر الواحد لا من طريق الشهادة. ولو قالت ذلك في عهدة الثلاث أو في الاستبراء لكان له ردها به على قياس قوله إن ذلك عيب يجب عليه أن يبين به إذا باعها؛ لأن ما حدث من العيوب في العهدة والاستبراء فضمانه من البائع، وبذلك أفتى ابن لبابة وابن مزين وعبد الله بن يحيى وغيرهم من نظرائهم، وقع ذلك في أحكام ابن زياد، خلاف ما روي عن مالك من رواية المدنيين عنه بأن ذلك ليس بعيب ترد منه إذ لا يقبل ذلك منها. وقد روى داود بن جعفر عن مالك نحوه، قال إذا سرق العبد في عهدة الثلاث رد بذلك، وإن أقر على نفسه بالسرقة لم يرد لأنه يتهم على إرادة الرجوع إلى سيده. ومعنى ذلك عندي إذا كانت سرقته التي أقر بها لا يجب عليه القطع فيها، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة يبيع العبد ويقول عهدتك وتباعتك على:

وقال في الذي يبيع العبد ويقول عهدتك وتباعتك على الذي اشتريته منه، ولعله ليس من أهل البلد ولا المعروف وهو حاضر يشير إليه أو غائب وهو معروف. قال مالك: إن كان معروفا وهو غائب أو حاضر فهو سواء، وشرطه باطل إلا أن يكون عند مواجبة البيع، وهو أحب ما فيه إلي. وقال مالك: كل من اشترط عهدة لم تكن عند الصفقة فهو باطل وتباعته على بائعه.
قال محمد بن رشد: قوله: وهو أحب ما فيه إلي دليل على الاختلاف، وفي ذلك ثلاثة أقوال: قيل إن الشرط عامل، وقيل إنه غير عامل، وقيل إنه عامل بالقرب دون البعد. وإذا لم يكن عاملا فقيل إن البيع به فاسد، وقيل يبطل الشرط ويصح البيع، وهو قوله في هذه الرواية، وقد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم سلم دينارا في ثوب إلى أجل من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال، وسيأتي أيضا في هذا الرسم من سماع عيسى من هذا الكتاب.

.مسألة اشترى عبدا فأبق عنده فزعم العبد أنه أبق عند سيده الأول:

قال مالك فيمن اشترى عبدا فأبق عنده فزعم العبد أنه أبق عند سيده الأول، قال: إن كان بائعه أخبره أنه لغيره فلا يمين عليه، وإن لم يكن أخبره فلابد من اليمين.
قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم في هذه المسألة إيجاب اليمين على البائع وإن لم يعلم أنه أبق عند المشتري إلا بقوله، مثل ظاهر روايته هذه عن مالك في قوله: وإن لم يكن أخبره فلابد من اليمين، إذ لم يفرق فيما بين أن يثبت إباقه عند المشتري أو لا يثبت ذلك عنده، خلاف ما في المدونة، ومذهب أشهب أنه لا يمين عليه في ذلك، مثل روايته عن مالك في رسم الأقضية الثاني من سماعه بعد هذا، ومثل ما في المدونة، حكى ذلك ابن المواز عنها وقال هو من رأيه قولا ثالثا إنه لا يمين عليه إلا أن يظهر العيب عند المشتري، فالذي في المدونة إنما هو لأشهب لا لابن القاسم. وكذلك القول في السرقة والزنا والعيوب التي تكون في الأخلاق، وأما العيوب التي تكون في الأبدان ويمكن أن تكون حادثة عند المشتري فلا اختلاف في وجوب اليمين فيها على البائع، وإنما يختلف في صفه اليمين، فقيل إنه يحلف علي البت في الظاهر والخفي، وهو قول ابن نافع ورواية يحيى عن ابن القاسم بعد هذا في رسم أول عبد ابتاعه فهو حر، وقيل إنه يحلف على العلم في الظاهر والخفي، وهو قول أشهب، وقيل إنه يحلف على البت في الظاهر وعلى العلم في الخفي، وهو مذهب ابن القاسم. وأختلف قوله إن نكل عن اليمين فقال في المدونة إنها ترجع علي المبتاع على نحو ما كانت على البائع، وإلى هذا ذهب ابن حبيب وقال في رسم الفصاحة من سماع عيسى إنه يحلف على العلم في الوجهين جميعا. وقد كان بعض الشيوخ يقول ليست هذه الرواية بخلاف لما في المدونة؛ لأنه إنما أوجب فيها اليمين على البائع من أجل قول العبد إنه أبق عند سيده، فهي شبهة وجبت بها اليمين عليه، وذلك غلط ظاهر، لا تأثير لقول العبد في ذلك؛ لأنه يتهم على إرادة الرجوع إلى سيده. وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى عبدا فوجد به عيبا يرد منه:

قال مالك فيمن اشترى عبدا فوجد به عيبا يرد منه فرأى صاحبه فأخبره بذلك وأشهد عليه أنه غير راض به وأنه بريء به، فأقبل ليأخذ عبده فوجده قد هلك بعد قول المشتري أو أبى البائع أن يقبضه فذهب المشتري يستأدي عليه فهلك العبد، قال: العبد من المشتري حتى يرده إلى البائع بقضاء السلطان أو بأمر يعرفه صاحب العبد فيقبض عبده. قال ابن القاسم: قال لي مالك إذا قضى به السلطان فهو من البائع وإن لم يقبضه من المشتري.
قال محمد بن رشد: قول مالك في آخر المسألة إن السلطان إذا قضى برده فهو من البائع وإن لم يقبضه من المشتري مبين لقوله قبل ذلك حتى يرثه إلى البائع بقضاء من السلطان. وقد اختلف بماذا تدخل السلعة المردودة بالعيب في ضمان البائع علي أربعة أقوال: أحدها أنها تدخل في ضمانه بإشهاد المبتاع على العيب وأنه غير راض به وإن لم يرض البائع بقبض عبده ولا حكم عليه به حاكم، وهو قول أصبغ؛ والثاني أنها لا تدخل في ضمانه حتى يرضى بقبض عبده أو يثبت العيب عند السلطان وإن لم يحكم بعد برده، وهو الذي يأتي على قول مالك في موطأه وعلى قول غير ابن القاسم في الشهادات من المدونة؛ والثالث أنه لا يدخل في ضمانه وإن رضي بقبضه حتى يمضي من المدة ما يمكنه فيه قبضه، وإن ثبت العيب عند السلطان فحتى يقضي برده ويمضي من المدة أيضا ما يمكنه فيه قبضه، وهو معنى قول مالك في هذه الرواية، فإذا قضى برده ومضى من المدة ما يمكنه فيه قبضه دخل في ضمان البائع بالحكم وإن لم يقبضه من المشتري، ولا خلاف في هذا؛ لأن حكم الحاكم لا يفتقر إلى قبض وحيازة، وإنما يختلف إذا رضي البائع بأخذ عبده دون حكم هل يدخل في ضمانه بنفس الرضي دون القبض؟ أو لا يدخل في ضمانه بنفس الرضي حتى يقبضه أو يمضي من المدة ما يمكنه فيه قبضه؟ أو لا يدخل في ضمانه حتى يقبضه وإن مضى من المدة ما يمكنه فيه قبضه؟ فقيل إنه يدخل في ضمانه بنفس الرضى دون القبض، وقيل إنه لا يدخل في ضمانه بنفس الرضى حتى يقبضه أو يمضي من المدة ما يمكنه فيه قبضه وقيل إنه لا يدخل في ضمانه حتى يقبضه وإن مضى من المدة ما يمكنه فيه قبضه، وهو ظاهر قوله في هذه الرواية أو بأمر يعرفه صاحب العبد فيقبض عنده وهذا هو القول الرابع، وهو علي قياس القول بأن الرد بالعيب ابتداء بيع، وأن على البائع في البيع حق توفيه. ووجه القول الأول أن المبتاع لما كان بالخيار بين أن يرد بالعيب أو يمسك شاء البائع أو أبى لم يكن للاعتبار برضاه معنى ووجب إذا أشهد المبتاع أنه قد رد أن ينتقض البيع فتكون المصيبة من البائع؛ والقول الثاني على قياس القول بأن الرد بالعيب نقض بيع فإذا وجب بثبوت العيب أو بإقرار البائع به وجب أن يكون الضمان من البائع؛ والقول الثالث على قياس القول بأن الرد بالعيب ابتداء بيع وأن البائع ليس عليه حق توفيه، فإذا مضى من المدة ما يمكنه فيه القبض فالمصيبة منه وإن لم يقبض؛ والقول الرابع على قياس القول بأن الرد بالعيب ما لم يقبض المبتاع وإن مضى من المدة ما كان يمكنه فيه القبض. والاختلاف في هذا جار على اختلافهم في المكيال إذا سقط من يد المشتري وهو يكيل لنفسه بعد أن امتلأ وقبل أن يفرغه في وعائه، فروى يحيى عن ابن القاسم في رسم يشتري الدور والمزارع للتجارة من كتاب جامع البيوع أن ضمانه من البائع، وعلى هذا يأتي قوله في هذه الرواية فيقبض عبده. وقال سحنون في نوازله من الكتاب المذكور: مصيبة ما في المكيال من المشتري، فعلى قوله يدخل العبد المردود بالعيب في ضمان البائع بنفس رضاه بقبضه. وقد قيل إن على البائع في العروض حق توفية وأنها في ضمانه وإن طال الأمد وكان قد قبض الثمن ما لم يقبضها المبتاع أو يدعوه البائع إلى قبضها فيأبى، وهو قول أشهب في ديوانه، وعلى قياس قوله يأتي القول الرابع حسبما بيناه. وقد قال ابن دحون: قوله في هذه الرواية ويقبض العبد قول غريب يوجب أن كل من اشترى شيئا بعينه فمات قبل قبض المشتري له أنه من بائعه، ولا اختلاف في ذلك إلا في هذه القولة النادرة، وليس قوله بصحيح، إذ قد بينا وجه دخول الاختلاف فيه، وأنه قول من رأى على البائع حق توفية في العروض. قال ابن دحون: وإنما الاختلاف إذا احتبسه البائع بالثمن، فابن القاسم يقول حكمه حكم الرهن، وغيره يقول هو من البائع.
قال محمد بن رشد: والقولان لمالك في كتاب العيوب من المدونة، قوله فيه: وقد قال مالك بقولهما جميعا بعد أن ذكر اختلاف سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار في ذلك، فلو كان البائع لما رضي بقبض عبده بالعيب أبى المبتاع أن يرجعه إليه حتى يرد إليه الثمن فهلك فيما بين ذلك لجرى الأمر فيه على هذا الاختلاف. وبالله التوفيق.

.مسألة تصدق بعبد أو ثوب ثم اطلع على عيب فيه:

قال وسمعت مالكا يقول قال فيمن تصدق بعبد أو ثوب ثم اطلع على عيب فيه، قال يأخذ قيمة العبد كما لو أعتقه لأنه قد فات فلا يستطيع رده. قال سحنون وعيسى: قيمة العيب للمتصدق به.
محمد بن أحمد: قوله إنه يأخذ قيمة العيب إذا تصدق به أو أعتقه هو المشهور في المذهب، وقد قيل إنه إذا تصدق به أو أعتقه فهو فوت ولا رجوع له بقيمة العيب، روى ذلك زياد عن مالك، ففي قياسه الصدقة على العتق نظر، إذ لا فرق بينهما، الاختلاف فيهما سواء ومن حق القياس أن يقاس ما اختلف فيه على ما اتفق عليه. وفي تعليله أيضا بقوله لأنه قد فات فلا يستطيع رده نظر؛ لأنه يفوت بالبيع ولا يستطيع رده ولا يرجع للعيب بشيء على مذهبه، فكان وجه القياس أن يقول يأخذ قيمة العيب كما لو فات لأنه قد خرج من يده بغير عوض. وقول سحنون وعيسى إن قيمة العيب للمتصدق به صحيح على معنى ما في الشفعة من المدونة في الذي يهب العبد لرجل ثم يستحق فيأخذ له ثمنا أنه لا شيء للموهوب له من الثمن، وبالله التوفيق.

.مسألة باع عبدا له أو وليدة وبه عيب غره أو دلسه:

ومن كتاب القبلة:
قال ابن القاسم وسمعت مالكا قال من باع عبدا له أو وليدة وبه عيب غره أو دلسه إنه يعاقب البائع ويرد عليه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أن الواجب على من غش أخاه المسلم أو غره أو دلس له بعيب أن يؤدب على ذلك مع الحكم عليه بالرد؛ لأنهما حقان مختلفان، أحدهما لله ليتناهى الناس عن حرمات الله، والآخر للمدلس له بالعيب، فلا يتداخلان ولا ينوب أحدهما عن الآخر، كالقطع في السرقة الذي يجب مع رد السرقة إلى المسروق منه.

.مسألة ابتاع عبدا فأبق منه ثم وجد من يشهد له أنه كان أبق عند الذي باعه:

قال ابن القاسم: وسمعت مالكا قال: من ابتاع عبدا فأبق منه ثم وجد من يشهد له أنه كان أبق عند الذي باعه، فقال الذي باعه لم يأبق منك ولكنك غيبته أو بعته، قال: يحلف بالله ما بعته ولقد أبق مني ثم يأخذ ثمنه من البائع.
قال محمد بن رشد: إنما كان القول قول المبتاع إنه أبق عنده، لأن مصيبته في الإباق من البائع إذا أثبت أنه باعه إياه وهو آبق. وهذا مثل ما حكى بعض الرواة عن سحنون أنه سئل عن الرجل يشتري العبد أو الأمة فيدعي أنه أبق في العهدة ولا بينة له في إباقه، فقال إن ادعى ذلك في الأيام الثلاثة حلف على ذلك، وإن لم يدع ذلك إلا بعد العهدة لم يقبل إلا ببينة، فجعل القول قول المبتاع في إباق العبد بالموضع الذي لو ثبت أنه أبق فيه لكانت مصيبته من البائع، فهو أصل واحد، والله تعالى ولي التوفيق.

.مسألة يبيع الميراث فيبيع الجارية ويقال إن الجارية تزعم أنها عذراء:

ومن كتاب حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها:
وسئل عن الذي يبيع الميراث فيبيع الجارية ويصاح عليها ويقول الذي يصيح عليها إنها تزعم أنها عذراء ولا يكون ذلك شرطا منهم في ذلك إنما يقولون إنها تزعم ثم يجدها غير عذراء فيريد أن يردها. قال: ذلك له. فقيل له: إنهم يزعمون أنا لم نشترط وإنما قلنا ذلك بأمر زعمته، قال: أرى أن يردها إلا أن يكونوا لم يقولوا له شيئا فأما أن يقولوا مثل هذا ثم يشتري المشتري وهو يظن ذلك فأرى أن يردها، وكذلك إن قال إنها تنصب القدور وتخبز، ويقولون إنها تزعم ولا يشترطون ذلك، فإذا هي ليست كذلك، فإني أرى أن يردها إلا ألا يخبروا شيئا فلا أرى عليهم شيئا.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في رسم البيوع من سماع أصبغ بعد هذا، وفي رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب النكاح، وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه، سواء قال في الجارية أبيعها منك على أنها عذراء أو على أنها رقامة أو خبازة أو وصفها بذلك فقال أبيعها منك وهي عذراء أو رقامة أو خبازة، وذلك كله كالشرط لأنه إذا قال: إنها تزعم أنها على صفة كذا وكذا، أو قالت هي عند البيع إني على صفة كذا وكذا ولم يكذبها في قولها ولا تبرأ منه فقد أوهم أنها صادقة فيما زعمت، فكأنه قد باع على ذلك وشرطه للمبتاع. وإنما يفترق الشرط من الوصف في النكاح حسبما مضى القول عليه في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب النكاح فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري العبد فيجده أعسر:

وسئل عن الرجل يشتري العبد فيجده أعسر أتراه عيبا؟ قال نعم أراه عيبا وأرى أن يرده به. قال ابن القاسم وإن كان أيسر وانتفع بيديه جميعا فلا أرى أن يرد.
قال محمد بن رشد: في حديث عمر أنه كان أعسر أيسر. قال أبو عبيدة هو الذي يعمل بيديه جميعا، وقال والمحدثون يقولون أعسر أيسر وهو خطأ، قال ابن لبابة: الأعسر الذي لا يعمل إلا باليد اليسرى، والأيسر الذي يعمل بيديه جميعا. فإذا كان يعمل بيديه جميعا فليس ذلك بعيب كما قال لأنها زيادة منفعة إلا أن تنقص يمناه في قوتها والبطش بها عن يمنى من لا يعمل بيسراه فيكون ذلك عيبا، قاله ابن حبيب في الواضحة في الأعسر الذي هو أعسر أيسر يعمل بيديه جميعا. وقوله صحيح مفسر لقول ابن القاسم، وبالله التوفيق.

.مسألة باع غلاما من رجل فأقام عنده ما شاء الله ثم وجد به عيبا كان عند بائعه:

ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة:
وسئل عمن باع غلاما من رجل فأقام عنده ما شاء الله ثم وجد به عيبا كان عند بائعه، وبالعبد عيب يحدث مثله يكون عند الأول والآخر ولا يدرى متى حدث، قال أرى أنه مردود بالعيب الأول، وليس على الآخر في العيب الذي حدث شيء، وإنما هو مدع فيه أن يقول حدث عندك ومن يعلم ذلك، وليس على المبتاع أكثر من أن يحلف بالله ما علمت أنه حدث عندي.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة صحيحة، إنما كان القول قول المبتاع في العيب الذي يقدم ويحدث إنه ما حدث عنده من أجل أنه قد وجب له أن يرد بالعيب القديم ويأخذ جميع الثمن، فالبائع يريد أن ينتقصه من الثمن بأن يقول حدث عندك العيب فلا ترده إلا أن ترد ما نقصه ذلك، فهو مدع عليه في ذلك، إن نكل المبتاع عن اليمين حلف البائع أنه ما يعلم العيب كان عنده أو ما كان عنده إن كان من العيوب الظاهرة على مذهب ابن القاسم، ثم كان المشتري بالخيار بين أن يرد ويرد ما نقصه العيب، أو يمسك ويرجع بقيمة العيب؛ فإن نكل البائع أيضا لزمه العيبان جميعا، وكان المبتاع مخيرا بين أن يمسك ولا شيء له أو يرد ولا شيء عليه، قاله ابن القاسم بعد هذا في رسم الفصاحة من سماع عيسى، وهو صحيح. وبالله التوفيق.

.مسألة الجارية تشترى فتوجد غير مخفوضة:

وسئل عن الجارية تشترى فتوجد غير مخفوضة، أترى أن ترد؟ قال قد سئلت عن ذلك قبل اليوم، فقيل له فماذا قلت فيه؟ قال: رأيت أنها إن كانت من جواري العرب الذين يخفضون فإنه يردها، وإن كانت من رقيق العجم الذين لا يخفضون لم أر أن ترد منه. فقيل له: فالخدم؟ فقال: لا، ليس الخدم مثل المرتفعات، لا يرد الخدم من رقيق العجم ولا من رقيق العرب.
قال محمد بن رشد: وكذلك العبد يشترى فيوجد غير مختون، قاله ابن القاسم بعد هذا في رسم الجواب من سماع عيسى، وزاد أن من طال مكثه في أيدي العرب فهو بمنزلة ما ولد عندهم. وقال في سماع محمد بن خالد بعد هذا: إن الجارية الرائعة ترد إذا وجدت غير مخفوضة، ولم يفرق بين أن تكون من رقيق العرب ولا من رقيق العجم، وينبغي أن يحمل على أن هذا تفسير له، ولا يحمل على ظاهره من الخلاف؛ لأنه يبعد أن يرد رقيق العجم بذلك. وذهب ابن حبيب إلى أنه يرد بترك الختان والخفاض الرفيع والوضيع من بلاد المسلمين، وقال إن ما طال لبثه في أيدي المسلمين من رقيق العجم فهو بمنزلة ما ولد عندهم، يرد بذلك الرفيع والوضيع إلا أن يكونا من الصغر بحيث لم يفت ذلك منهما. وهذا كله في المسلمين من الرقيق، وأما النصارى منهم فلا يردون بترك الختان ولا الخفاض، قاله ابن حبيب. وقال في سماع محمد بن خالد في العبد المسلم يوجد غير مختون إنه يرد بذلك ولم يفرق بين وضيع ولا رفيع، مثل قول ابن حبيب في الواضحة، خلاف ما في رسم الجواب من سماع عيسى.
والصحيح في القياس والنظر ألا يفرق في الختان بين رفيع ولا وضيع بخلاف الجواري في الخفاض، فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أن يرد الرفيع والوضيع من الغلمان والجواري بترك الختان والخفاض، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، والثاني أنه لا يرد بذلك إلا الرفيع دون الوضيع من الجواري والغلمان جميعا، وهو قول ابن القاسم في سماع عيسى، والثالث الفرق بين الجواري والغلمان على ما ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة الغلام يبيعه الرجل ويتبرأ من الإباق في عهدة الثلاث ثم يموت:

ومن كتاب طلق بن حبيب:
وسئل مالك عن الغلام يبيعه الرجل ويتبرأ من الإباق في عهدة الثلاث ثم يموت ولا يعلم أنه مات في العهدة أو بعد ذلك، فقال البائع هو منك وقال المبتاع لا بل هو منك، فقال: أراه من المبتاع ضامنا حتى يأتي عليه ببينة أنه مات في عهدة الثلاث، فإن لم يعلم ذلك وجهل فهو من المبتاع. فقيل له: والعور وغير ذلك من العيوب؟ قال نعم هو من المبتاع إلا أن يعلم أن ذلك أصابه في العهدة. وأخبرني العتبي قال: قال ابن نافع عن مالك: إن المصيبة من البائع حتى تعلم البينة أنه خرج سالما من عهدة الثلاث.
قال محمد بن رشد: رواية ابن نافع هذه وقعت في بعض الروايات مختصرة، وهي في المدونة وفي أول سماع أشهب كاملة، قال فيها: إن المصيبة من البائع حتى يعلم أنه خرج من العهدة سالما، ووقع في آخر سماع أشهب أن المصيبة من المبتاع حتى يعلم أنه مات في العهدة مثل رواية ابن القاسم هذه. والخلاف إنما هو إذا عمي أمره فلم تعلم حياته ولا موته أو علم أنه مات ولم يعلم إن كان موته في عهدة الثلاث أو بعدها. وأما إن علم أنه مات في عهدة الثلاث فمصيبته من البائع بلا خلاف، فإن عمي أمره فترادا الثمن على إحدى روايتي أشهب وابن نافع عن مالك في أن المصيبة من البائع، ثم أتى العبد، كان للبائع ولم يرد إلى المبتاع، ولو أتى قبل أن يترادا الثمن كان للمبتاع، حكى ذلك محمد ابن المواز عن أشهب. ومعنى ذلك عندي إذا تراضيا على ذلك بغير حكم، وأما لو حكم بذلك عليهما لوجب أن يرد العبد إلى المبتاع لانكشاف خطأ الحكم في ذلك بما لا اختلاف فيه، وبالله التوفيق.

.مسألة يبيع السفينة من الرقيق من السند والزنج فتباع جملة فتوجد بينهم جارية حاملة:

ومن كتاب أوله صلى نهارا ثلاث ركعات:
وسئل عن الرجل يبيع السفينة من الرقيق من السند والزنج فتباع جملة فتوجد بينهم جارية حاملة أترد؟ قال: ما أرى ذلك لهم؛ لأنهم وخش.
قال محمد بن رشد: قوله فتباع جملة يريد صفقة واحدة وقد عرف عددهم، إذ لا يجوز بيع الرقيق جزافا. ولم ير أن ترد الحامل منهن بعيب الحمل إذ لا ينقص الحمل من جملة الثمن شيئا من أجل أنهم وخش. ولو اشتراها وحدها لكان له أن يردها، قال ذلك في آخر سماع أصبغ على قوله في المدونة وغيرها إن الحمل عيب في الوخش والمرتفعات. وكان القياس إذا كان له أن يردها إذا اشتراها وحدها أن يكون له أن يردها بما ينوبها من الثمن إذا اشتراها مع غيرها جملة كما قال في المدونة وغيرها في السلع تشترى جملة فيوجد ببعضها عيب أن المعيب يرد منها بما ينوبه من الثمن، إلا أنه استحسن هذا في الحمل خاصة مراعاة لقول من لا يرى الحمل عيبا في وخش الرقيق. وممن قال بذلك ابن كنانة، ورآه ابن حبيب فيهن عيبا.

.مسألة اشترى جارية من رجل فسأله عن حيضتها:

ومن كتاب سن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وسئل عن رجل اشترى جارية من رجل فسأله عن حيضتها، فقال إنها صغيرة ولم تحض بعد وكانت قصيرة فطمع المشتري أن يكون لها نشوز عند حيضتها، فلما اشتراها لم تقم إلا عشرا أو نحوها حتى حاضت.
قال: قال مالك: إن كانت قد بلغت ومثلها تحيض ويخاف أن تكون تحيض، فأرى أن يستحلفه أنها ما حاضت عنده، وإن كانت صغيرة فقد ائتمنه على ما قال، ولا أرى أن يستحلفه.
قال محمد بن رشد: قوله: إن كانت قد بلغت ومثلها تحيض، معناه: إن كانت قد بلغت في حالها مبلغا يشبه أن يحيض مثلها ويخاف أن تكون قد حاضت عنده استحلف ما حاضت عنده، واليمين هاهنا يمين تهمة، فيدخل في ذلك من الاختلاف ما يدخل في لحوق يمين التهمة، وكذلك إن نكل عن اليمين لجرى الحكم في ذلك على الاختلاف في رد يمين التهمة، ترد عليه في أحد القولين بالنكول دون رد يمين، وفي القول الثاني لا ترد عليه إلا بعد يمين المشتري، والقول الأول هو المشهور، وقوله: وإن كانت صغيرة أي وإن كانت فيما يظهر من حالها أنها صغيرة لا يحيض مثلها فلا يمين عليه، وذلك بيّن على ما قال: لأن حيضتها وهي على هذه الحال علة فيها ومصيبة دخلت عليه، فلا حجة له في ذلك على البائع. وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة اشترى من رجل جارية مثلها لا توطأ فوجدها مفتضة:

قيل لسحنون: ولو أن رجلا اشترى من رجل جارية مثلها لا توطأ فوجدها مفتضة، قال: إن كانت من وخش الرقيق فليس ذلك بعيب، وإن كانت من علية الرقيق فذلك عيب يردها به، وإن كانت مثلها توطأ فليس ذلك بعيب كانت من علية الرقيق أو من وخشها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الجارية التي يوطأ مثلها محمولة على أنها قد وطئت فليس له أن يردها إذا وجدها مفتضة، والتي لا يوطأ مثلها محمولة على أنها لم توطأ، وليس ذلك كالشرط فيها، فإذا وجدها مفتضة كان له أن يرد الرفيعة بذلك؛ لأن الافتضاض ينقص من قيمتها، ولم يكن له أن يرد الوخش بذلك؛ إذ لا ينقص الافتضاض من قيمتها إلا أن يشتريها على أنها غير مفتضة بشرط، وذلك قائم من قوله في المدونة: إنه إذا اشترى الجارية البكر فافتضها فليس له أن يبيعها مرابحة يبين إلا أن تكون من الوخش اللواتي لا ينقصهن الافتضاض شيئا فليس عليه أن يبين، وبالله التوفيق.